Skip to main content

اللجنة

صنع الله ابراهيم .......الرجل الذي أكل نفسه

كل شئ كان يدل على ان الأمور تسير في نصابها الطبيعي المرسوم لها و المحدد .

حضوره , و الهدوء البادي عليه و صعوده على خشبة المسرح

و مصافحته رئيس اللجنة و أعضاءاللجنة .

ماالذى تفعله بالضبط هذه اللجنة ؟ و من هم اعضاؤها ؟و ماالذي تقيمه فينا ؟

ولماذا نذهب اليها ؟

ما هو سر الهرم الأكبر ؟ ما سر زجاجة الكوكاكولا ؟ ما سر التعليمات المرفقة بالأدوية الأجنبية المباعة في بلادنا والتي توصي باستخدام جرعات أكبر من تلك الموصى بها في بلادها الأصلية؟

و ما هو سر مياه الصنبور السوداء ؟ و ما هو سر الرجل الذي أكل نفسه ؟

في عام 1979 و هو عام يشكل مرحلة تحولية الي حد كبير في تاريخ مصر . مرحلة غزيرة و مليئة بالأحداث و التطورات ابتداء من السلام المزعوم مع عدو لا يزال يعربد على أراضينا العربية و مرورا بالانفتاح الاقتصادي و الذي فتح علينا من أبواب المخدرات و الأغذية الفاسدة و المنتجات غير الوطنية و الفساد الحكومي مالا يمكن غلقه ثانية و نهاية باضمحلال الوعي الفكري و الثقافي لدى الغالبية و غياب القيمة السياسية و تهميش دور الأحزاب بعد اعادتها و انتشار الارهاب .

في ظل هذا كله لم يستطع الانسان النقى أن يقف مكتوف اليدين لم يستطع أن يتوقف عن تأنيب الضمير ونقد الذات باعتباره جزء من هذا الوطن الذي يعاني التشويه و العداء . و لأن العمل يؤكد الفكر و لأن الألم العظيم يعقبه خلق عظيم , خرج لنا صنع الله ابراهيم بواحدة من أروع ما كتب من الروايات و هي " اللجنة " معبرا عن مساحة الحرية في العلاقة بين الحاكم ( السلطة ) و المحكوم ( من يقع تحت طائلة هذه السلطة ) و هل ستعطيك هذه الحرية الحق في أن تقف ضد السلطة اذا لزم الأمر – و ماالمصير الذي ينتظر الفرد الواعي و الذي لا يستطيع أن يقول " لا " ....... الا الفناء .

و خلاصة الفكرة التآمرية التي تطبق علىهذ االوطن هي ما يحصره صنع الله ابراهيم في مخيلتك من خلال أسلوب آخر في التفكير فيسبح معك فىالواقع المحيط و يغوص الى عمق الأشياء و يبحث في تاريخها فتتجلى لديك حقيقة أن الفساد ينبع من الأصل من داخلنا نحن " و الدودة في أصل الشجرة " كما قالها صلاح عبد الصبور .

و قد يأتي هذا من النشاة اليسارية التي انشأ عليها نفسه , فالذهاب الي أصل الأشياء و التسجيلية الخالصة و الريبورتاجية الصحفية و تدوين الوقائع – و الذي طغى علي معظم أعمال صنع الله – هو بالتحديد ما لزمته المدرسة الواقعية الاشتراكية الرسمية في الأدب السوفيتي و لكنه لم ينس تحت هذا الغطاء أن يركب قطار الحداثة فالتجريد و الاختزال و النقد الذاتي كانت من الدعائم التي أقام عليها صنع الله منطقة المحاورة بينه وبين القارئ في هذه الروايه انطلاقا من أن الرسالة هي شئ يتلقاه القارئ من الكتاب و ليس شيئا يضعه المؤلف فيها , و في هذا يقول صنع الله ابراهيم : " عالم غريب هي العبارة التي بدأت استخدامها للتعبير عن فكرة سيطرت عليّ بالذات للكتابة الروائية و هي امكانية استخدام مواقف واقعية بعد تجريدها من الزمان و المكان و ظلت هذه الفكرة تطاردني طويلا و كانت هي النواه التي انطلقت منها رواية اللجنة عام 1979. "

و"اللجنة " رواية قصيرة نتيجة الاختزال االواضح في الأدوار فهو لن يحدثك عن الشخصيات كثيرا و لن يحكي لك شيئا عنها لكنك ستسير معه في محور واحد من خلال البطل حتى تجد انه ابالغة الثراء و لن تبلغ هذا الثراء الا اذا جلست لقراءتها حتى النهاية حين يقول البطل لللجنة : " كان من واجبي ألا أقف أمامكم وانما أن أقف ضدكم من البداية........لكني تبينت من استقرائي للتاريخ و الحالات المماثلة أنه طريق هذه العملية بالذات – عملية الاحلال المتكرر و التغير – ستفقد جماعتكم تدريجيا ما لها من سطوة بينما ترتفع مقدرة أمثالي على مواجهتها و التصدي لها . "

و أنت في هذه الرواية لست بصدد سرد لوقائع روائية فالواقعية عند صنع الله ابراهيم ليست مجرد سرد للواقع و لكنها ذهاب بغير عودة في دهاليز النفس البشرية فى سلاسة و ليونة شديدة و اذا كانت النفس المتفردة غير مفهومة في حياه الانسان الداخلية فأين وكيف و متى يمكن أن نفهمها؟ نعم منالمستحيل أن نفهم النفس البشرية لكنك ستعرف أكثر مما يجب عن هذه النفس خاصة تلك النفس القريبة منك و التي تتحكم فيها نفس الثقافة و التاريخ, فعدسات المجهر التي يستخدمها صنع الله في مراقبة هذه النفس تتجعلها أكثر مراوغة حيث تتحول الي ذرات صغيرة كلما اقتربت منها تجدها متشابهة تماما فيصبح تأويل هذه النفس التي يتحدث عنها قريب جدا و يكاد يتماثل بشفافية غريبة مع تأويل نغسك أنت فتجدك و انت تقرأ عن أحداث عادية و عن اشياء نفعلها كل يوم أقربالي حقيقة ذاتك فتضئ شمعتك الخاصة و بذلك يعطيك الفرصة فتتشكل رؤيتك للأشياء و اتجاهاتك .

و بكافكاوية مبعثها عقاب النفس على جرم لم يرتكب, , عاش صنع الله ابراهيم في الظل يكتب ويتأمل فيما يحدث من حوله من تغيرات في هذا الواقع المرير الملئ بالكذب والخداع و ابتعد زاهدا المناصب و زخرف الحياه و اصدر من صدقه و ضميره و ابداعه الخالص " تلك الرائحة " و" نجمة أغسطس " و " اللجنه " و"ذات " و " بيروت بيروت " و " وردة " و " شرف " و" أمريكانلي " و التي رشحت لأحسن رواية عام 2003

و امام هذه الشحنة و امام هذا الثراء يقف صنع الله ابراهيم ليتأملنا جميعا .... فالانسان من الصعب أن يحتفظ بنقائه فى هذا الزمن الذي يفتقر الىأطر سياسية مساندة فيضطر لمواجهة الواقع الخرب بمفرده و يعاني التهميش و التجاهل و نوبات الاكتئاب و تبدل الآخرين و زحفهم نحو الفساد.... لكن صنع الله يكتب ثم يقف ليتأملنا و نحن بهذا الثراء و نحن نفكر و لا نفعل شيئا ثم يتأملنا أكثر عندما يعطينا قيمة أكبر بكثير فيرفض قبول جائزة الرواية بمنتهى البساطة و امام الجميع فلا نملك الا أن نقف له احتراما و اجلالا و نرفع له القبعات.

و من منصة الخطابة انطلق يشكرهم جميعا و لكنه في ختام كلمته قال : "أعلن

اعتذاري عن قبولها لأنها صادرة عن حكومة لا تملك ..في نظري ..

مصداقية منحها و شكرا . "

د. يامن الجنيدي

ديسمبر 2005

Comments

Anonymous said…
this novel, and warda, are my favorite so far for son3allah...
i felt i was reading for a literature critic :D nice article begadd...
and one more thing to add, son3allah used the only clear evidence in our lives, the coca cola evidence.. and this was the closest to the simple-minded to understand, and hence live through the pages with his belief...
great piece :)

Popular posts from this blog

ذاكرة الســــــماء

انا البحر و من بعدى .... كل شئ يستاء غطائي السماء و صحراء بحجم الكون تشعلني.............اذ تشاء انا البحر .... و مياهي الزرقاء تقتات من الماضى المعطاء ......حبات رمل تنقشها و بطرف الريح و تغني للحاضر ......أغنية " سبعة أيام حمقاء" و حروف من ألق .... لا الومه اذ تضاءل انا البحر ......انتحل الشقاء و امْثل – صبحا أو مساء – في ذاكرة الغضب يســــتاء... كل شئ من بعدي بلا رجاء انا البحر ....ذاكرة السماء و الألق .....حاء.....و باء احترف الموج و لا الومه اذ تضاءل ايضا لا تغني في المساء فالصمت ... صمتُ اذ تريد و الوقت يقتله الشقاء انا البحر اغنية الأغاني و تارخ الاماني لتسكنها ضوابط الريح و تملكها اتجاهات النجوم و قوافي الوجوم..........لا لا اريد استـــــياء الغضب بحر و انا البحر و اكاليل الوفاء يامن الجنيدي سبتمبر - 2007 - نويبع

What a difference a sad event in someone's life makes!!

The paradox of our time in history is that we have taller buildings but shorter tempers, wider Freeways , but narrower viewpoints. We spend more, but have less, we buy more, but enjoy less. We have bigger houses and smaller families, more conveniences, but less time. We have more degrees but less sense, more knowledge, but less judgment, more experts, yet more problems, more medicine, but less wellness. We drink too much, smoke too much, spend too recklessly, laugh too little, drive too fast, get too angry, stay up too late, get up too tired, read too little, watch TV too much, and pray too seldom. We have multiplied our possessions, but reduced our values. We talk too much, love too seldom, and hate too often. We've learned how to make a living, but not a life. We've added years to life not life to years. We've been all the way to the moon and back, but have trouble crossing the street to meet a new neighbour. We conquered outer space but not inner space. We've done la

........................

You do not need to leave your room. Remain sitting at your table and listen. Do not even listen, simply wait, be quiet still and solitary. The world will freely offer itself to you to be unmasked, it has no choice, it will roll in ecstasy at your feet. - Kafka [ 1883-1924 ]